ربما يكون ما أدونه الان ليس بجديد ..لكننا أحيانا نحتاج إلى من يكرر على أسماعنا مراراً ما نعرفه من صحيح الدين وانه فى جوهره ليس مناسك وشعائر تؤدى فقط وأن ماينفع الناس ويمكث فى الأرض هو أسمى آيات القرب والوصل مع الله .
الحج هو الركن الأعظم فى الإسلام -لاجدال فى ذلك- وزيارة بيت الله الحرام قبل أن تكون فريضة هى شوق تتعلق به الأرواح أملا فى الوصال بيد أن مشروعيته هى مرة واحدة فى العمر لمن استطاع إليه سبيلاً وما زاد عن ذلك فهو نافلة . فلماذا يحرص البعض على أدائه أكثر من مرة ؟ وأيهما أولى الطواف بالبيت أم حول آلام البشر؟
وقبل أن يرد أحدكم بالحديث القدسى ” وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به،” فهل أوصدت كل أبواب التقرب إلى الله باستثناء باب الحج ؟ ولماذا نضيق على عباد الله وهو جل شأنه لم يضيق علينا ؟
لقد صدق من وصف البيت الحرام بمغناطيس القلوب وأن العبد كلما زاره ازاداد شوقاً إليه لكن ألم تقرأ قوله تعالى ” وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ” .إذن أن تؤثر الفقراء والمحتاجين مع وجود ميل قلبى داخلك من أعلى عتبات الطاعة .
والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سئل أي الأعمال أفضل ؟ قَالَ إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ . قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : حَجٌّ مَبْرُورٌ .فجعل الحج بعد الجهاد ، والمراد به هنا حج النافلة .أليست محاربة الفقر وقضاء دين الغارمين أليست بحد ذاتها جهاد فى سبيل الله ..جهاد للنفس وجهاد لدرء المفاسد والذى هو مقدم على على جلب المصالح، وخصوصًا إذا كانت المفاسد عامة، والمصالح خاصة . فأى مفسدة على مجتمع بأكمله أشد من فقر قد يدفع عبداً إلى سرقة أو طرق أى أبواب غير مشروعة لسد حاجته .
إن معطيات الواقع المعاش ومعدلات التضخم وما أفرزته من آلاف العاطلين عن العمل، والمضارين في أقواتهم الضرورية، وتضاعف بعدد الفقراء والمعوزين علاوة على المرضى واليتامى وغيرهم .تجعل من الأولى وفقاً لفقه الضرورة ومقتضيات الإنسانية أن يرصد مئات الألوف ممن يتطوعون سنويا بالحج والعمرة ما ينفقون للتخفيف عن أكباد جائعة كما ذهب الإمام أحمد ابن حنبل حين سئل عن حج النافلة فقال ” “يضعها في أكباد جائعة أحبُّ إليَّ”.او كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله “والحج على الوجه المشروع أفضل من الصدقة التي ليست بواجبة، وأما إن كان له أقارب محاويج، أو هناك فقراء تضطرهم الحاجة إلى نفقة: فالصدقة عليهم أفضل”.وكلامهم عن أعوام الرخاء، فكيف الحال بأزمنة الشدة .
في الإسلام نيةُ المرء خير من عمله وعبودية الانسان لله تقتضى ان يخلص النية على حد تعبير الإمام الشعراوى وهنا تحضرنى قصة عبد الله بن المبارك الزاهد الذى خرج للحج فلقي فتاة تقول له: أنا وأخي هنا ليس لنا شيء إلا هذا الإزار، وليس لنا قوت إلا ما يلقي على هذه المزبلة، وقد حلّت لنا الميتة منذ أيام، فدفع إليها نفقة الحج، وقال: هذا أفضل من حجنا في هذا العام، ثم رجع”. ولم يذهب للحج فقيد الله ملكا يحج عنه وكتب له ثواب سبعين حجة .
ربما يشكك البعض فى القصة التى رواها ابن كثير لكن ماذا عن السنة النبوية وأمامك من خلال ماورد بها أن تحج وتعتمر كل يوم وتحوز بذات الوقت ثواب ما ذكرته سابقاً ؟ فهناك عدة أمور تعادل ووفق ماورد بالأحاديث النبوية, فى أجرها الحج والعمرة منها صلاة الضحى وعن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “من صلى الصبح فى جماعة ثم جلس فى مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كان له مثل أجر حجة وعمرة تامة” .إلى جانب أداء الصلاة المكتوبة في المسجد فعن أبي أمامة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: “من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة، فأجره كأجر الحاج المحرم”. فضلاً عن بر الوالدين وصلاة الفجر.
فضل الله واسع ، يقبل القليل ويعطي الجزيل ولذلك نظائر كثيرة ..وماينطبق على الحج والعمرة ينطبق على الإسراف فى الانفاق على تشييد المساجد وتزيينها..فما من معنى على الإطلاق أن تكون المساجد خاوية بينما المستشفيات حبلى بالمرضى …وليس هناك قيمة حقيقة فى عمارة مسجد مع أرواح عاجزة عن إيجاد مأكل أو مأوى أو حتى فرصة تعليم معقولة .
وإذا كان ولابد ..طوفوا بالبيت شوطاً وحول أوجاع البشر سبعة اشواط ..اسعوا بين الصفا والمروة مرة وبين أنفاس العاجزين سبع مرات ..قفوا على عرفات تَارَةً وعلى عتبات المحرومين الالاف المرات ..ارجموا الشيطان سبعاً وأغلبو الهوى بسبعين ضعفاً .