منذ بدأت الحرب الروسية الأوكرانية والجميع يعلم أن هناك أزمتي طاقة وغذاء فسوف تطال أوروبا والعالم أجمع. بما يترتب على ذلك من استشراء حالة تضخم حاد ونقص ليس في الطاقة فحسب ولكن في السلع الاستراتيجية والغذائية التي يعتمد العالم على كلتا الدولتين في توفيرها. بما سيتبع ذلك من رفع معدلات الفائدة للسيطرة على التضخم وبالنالي إحتمالية حدوث ركود تضخمي سوف يزيد أوجاع العالم.
ولكن الساسة الغربيون كفأر الرمل السمين لا يدخل جحرا إلا إذا كان له عدة فتحات للهروب منها عندما يحيط به طاريء يهدده.
فلقد كان اعتمادهم على (هندلة) تلك الأزمات مستندا على عدة نقاط أولها وأهمها أن أسعار الطاقة سوف ترتفع في بداية إستخدام روسيا لذلك السلاح, لكن الركود الذي سوف يحدث على مستوى الاقتصاد العالمي سوف ينتج عنه تلقائيا إنخفاض معدلات الإستهلاك وبالتالي سوف تنخفض أسعار الطاقة وهنا سوف يدفع منتجو النفط الرئيسيين كلفة ذلك الجانب.
لكن لم يضع الساسة وخصوصا الأمريكان في إعتبارهم التغير الذي حدث منذ سنوات في قصر الحكم السعودي. وكذلك الخليجي حين تولى شباب مؤهلون على غير العادة الحكم في تلك الدولة التي تتحكم في أسعار الطاقة العالمية. حيث كان حكام تلك الدول حلفاء عميان للساسة الأمريكيين ينتظرون رنين الهاتف فقط لكي ينفذوا ما يطلب منهم.
وبعد حادثة خاشقجي وردود الفعل الأمريكية والأوروبية على الحادثة أيقن الشاب أن تحالف الأعمى والبصير الذي دام لعقود سوف يقود الدولة للهاوية وأن تغييرا جدذريا يجب أن يحدث في الداخل والخارج وأن المصلحة الوطنية يجب أن تكون المحك الرئيسي لكل قرار كما أن الحليف الأمريكي يجب أن تصله الرسالة واضحة.
فرغم أن رنين الهاتف لم يتوقف ومدارج المطارات السعودية لم تتوقف عن استقبال عجلات طائات القادة الأمريكان والأوروبيين إلا أن الشاب فاجأهم بأنه صلب ما يكفي لكي يتفادى دفع أثمان تعود سابقوه على دفعها وبدلا من تلبية طلبهم زيادة الأنتاج من منتجات الطاقة قرر السير عكس الإتجاه وخفض الإنتاج مرات متتالية وصلت لحد خفض جدزري تجاوز مليونين من البراميل يوميا. كلهذا لكي يحافظ على سعر عادل للطاقة ولكي يدفع المتسببون والمتربحون من تلك الحرب ثمن فعلتهم.
أما أسعار السلع الأساسية وخصوصا الغذاء, فترتيب تلك المعضلة اختلف من بلد لآخرفاللاعب الرئيسي وهو الولايات المتحدة الامريكية لم يكن يعنيها الأمر تقريبا فحجم وارداتها الغذائية 148 مليار دولار سنويا وهو ما يمثل أزيد من نصف في المائة بقليل من الناتج المحلي الأمريكي الذي يتجاوز 23 تريليون دولار. كما أنها أحد أكبر منتجي القمح والكثير من السلع الغذائية,
أما بلدان أوروبا فكانت تستور ما يعادل 40 مليار دولار من السلع الغذائية وخصوصا الحبوب والزيوت من روسيا وأوكرانيا وضمن لها ‘تفاق الحبوب بين روسيا واوكرانيا برعاية تركيا والأمم المتحدة باستيراد ‘حتياجاتها تقريبا رغم زيادة الأسعار إلا أن الثمن الذي تدفعه أوروبا أو تحديدا المستهلك الأوروبي لا يوازي وضع أمن القارة العجوز على المحك ويبدو كذلك ثمنا تافها لإيقاف المد الروسي في أوروبا الشرقية. وتلك النظم الديموقراطية التي تعتمد على الاقتصاد الراسمالي الحر لم تترك مواطنيها نهبا لأسعار الطاقة المبالغ فيها فقامت معظم دول القارة بدعم المواطنين ووضع سقف لأسعار الطاقة تتحمل الدول ما يزيد عنه.
أما دول العالم الثالث وخصوصا تلك التي لا تعتمد على الطاقة كمورد للدخل والتي يقبع معظمها على قمة مستوري الغذاء من حيث النسبة المئوية للدخل الوطني فهي من دفعت ثمنا مضاعفا لتلك الحرب الضروس التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
وقد يمتد التضخم في تلك الدول ليطال تأثيره الإستقرار السياسي والإجتماعي الهش في معظم تلك الدول غير الديموقراطية على الأرجح. وهو ما بدأت نذره في الكثير منها بانهيارات متتالية في سعر العملات الوطنية وتوقف أو تعثر في سداد أقساط الديون, ولجوء لإيقاف الاستيراد.
وزاد الطين بلة فرار معظم المستثمرين وتوقف دكاكين الاستدانة الدولية عن فتح أبوابها لتلك الدول مما جعل عبء تحمل الديون مبالغا فيه ورشح أكثر من عشر دول للإفلاس على رأسها دول هامة لإستقرار مناطق ملتهبة من العالم.
وبمرو الوقت واستمرارالحرب التي لا يلوح في الأفق نهاية لها قد نرى بعد قليل تغيير شبه تام للكثير من تلك النظم ربما هو أحد أهداف اللاعبين في تلك الحرب.