تعد زيارة الرئيس السيسى والذى يحل ضيفاً باحتفالات عيد الجمهورية الـ74 بالهند تتويجاً لعلاقات ممتدة بين القاهرة ونيودلهى, بدأت بشكل قوى في العقد الخاص بتأسيس دولة الهند ثم خلال مرحلة الحرب الباردة،حيث كان هناك إطار دولى وقضايا دولية يهتم بها القوى التي تبنت حركة عدم الانحياز.ومع التحول بالنظام الدولى تأقلمت تلك العلاقات مع المشهد الجديد .
والمتتبع للعلاقات المصرية الهندية منذ 2014 يلمس تطلعات لتحقيق شراكات استراتيجية كبيرة قائمة على مبدأ التوازن والتنوع والمصلحة، ليس فقط فى المجالين السياسى والاقتصادى بل حتى الثقافى أيضا،وقد بلغت صادرت الهند إلى مصر ب 3.76 مليار دولار، فيما بلغت صادرات مصر إلى الهند بلغت 3.52 مليار دولار، وهو ما يؤكد تعزيز العلاقات والتبادل التجارى بين البلدين والتى متوقع زيادته خلال الفترة المقبلة لما تشهده العلاقات من تصاعد وتقارب.
لذا سيكون يوم الجمهورية بمثابة فرصة جديدة لعلاقات مصرية هندية أقوى في ظل حاضر مليئ بالمستجدات والمتغيرات، ومستقبل متوقع أن يشهد ولادة نظام عالمى جديد الكل يبحث فيه عن دور ومكانة فى هذا النظام المرتقب تشكيله بعد الحرب الروسية الأوكرانية..يضاف إلى ذلك أن الهند حققت تقدم كبير في العدد من المجالات وهو ما تسعى القاهرة للاستفادة منه، خاصة في مجال الاقتصاد والتكنولوجيا والتقدم الطبي الذى حققته وهو ما يمكن لمصر أن تستفيد من تلك التجربة الهندية.
وفى وقت سابق رحب رئيس الوزراء الهندي، نارندرا مودي، بزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى بلاده، قائلا: ” ترحيب حار في الهند بالرئيس عبد الفتاح السيسي”. وأضاف في تغريدة على تويتر: “أن زيارتك التاريخية إلى الهند كضيف رئيسي في احتفالاتنا بيوم الجمهورية هي مسألة سعادة هائلة لجميع الهنود، نتطلع إلى مناقشاتنا غدا”.
من ناحية أخرى، ذكرت صحيفة “بيزنس إنديا”، المتخصصة بالشأن الاقتصادى، أن زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى للهند تعد فرصة ذهبية لإقامة شراكة اقتصادية كبيرة بين البلدين، مؤكدة أنها المرة الأولى التي يدعى فيها رئيس مصري “كضيف شرف رئيسي” باحتفالات يوم الجمهورية الهندي، الذي توجهت فيه دعوة الحضور لكافة قادة وزعماء العالم.
وقالت الدكتورة جيلان علام السفيرة المصرية السابقة لدى الهند “يمكن وصف زيارة وزير الخارجية الهندي لمصر بأن لها عدة دلالات هامة من حيث التوقيت، وفي ضوء التحديات التي تواجه ليس البلدين فحسب، بل العالم بأسره”، منوهة بأنه “رغم أزمة كورونا التي حلت بالعالم والتي أدت لنوع من الانغلاق الاضطراري بين دول العالم، كانت هناك زيارة هامة لوزير الدفاع الهندي لمصر في الأسابيع الماضية تضمنت لقاءات عديدة هامة وعلى رأسها استقبال رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي له، حيث جرى خلال هذه الزيارة توقيع اتفاقيات عديدة في مجال الدفاع، فضلا عن أن هذه الزيارة سبقتها مناورات عسكرية مشتركة بين البلدين”.
وأردفت السفيرة المصرية السابقة: “يمكن وصف زيارة وزير الخارجية الهندي لمصر بأنها زيارة حافلة، وتم فيها التشاور والتفاهم على عديد من الملفات الاقتصادية والسياسية، كان من بينها ملف القضية الفلسطينية والأزمة الأوكرانية الروسية”.
وعن العلاقات الاقتصادية بين البلدين، أوضحت جيلان علام أن “هناك 50 شركة هندية تعمل في مصر في قطاعات متنوعة، ويبلغ حجم استثماراتها أكثر من 3 مليارات دولار”، مضيفة: “لذلك كان الوزير الهندي حريصا على أن يجتمع بجمعية رجال الأعمال المصرية الهندية، والإحصائيات المصرية تشير إلى أن الهند تحتل المرتبة 12 في الاستثمارات الأجنبية في مصر”.
وتابعت علام: “الوزير الهندي صرح كذلك في المؤتمر الصحفي مع وزير الخارجية المصري سامح شكري بعد اجتماع مطول أن حجم التجارة بين البلدين فاق 7 مليارات دولار عام 2021/ 2022، بزيادة قدرها 2 مليار دولار عن العام السابق، وأعلن الطرفان عن أملهما أن يرتفع حجم التبادل التجاري في السنوات المقبلة”.
واستطردت: “وزير الخارجية الهندي أشار إلى نقطة هامة، وهي التعاون بين البلدين في مجال صناعة الدواء، فالهند تتوافر فيها المواد الخام لتصنيع الأدوية على نطاق واسع، ولهذا كانت زيارة الرئيس السيسي للجناح الهندي في المعرض الأول للصحة في إفريقيا الذى استضافته مصر مؤخرا، ومن هنا جاءت تصريحات وزير الخارجية الهندي حول رغبة الهند في اعتبارمصر منصة انطلاق لصناعة الدواء الموجهة لإفريقيا”.
وأوضحت قائلة: “مصر تستضيف وتقود تحركا دوليا في الشهر المقبل، حيث ستعقد بها قمة الأمم المتحدة للتغيرات المناخية وتأثيراتها السلبية على دول العالم ولا سيما في إفريقيا”، مشيرة إلى أن “الهند سوف تتبوأ هذا العام رئاسة مجموعة العشرين الاقتصادية، ووجهت دعوة رسمية إلى مصر لحضور المؤتمر القادم لها كضيف مشارك”.
وأضافت جيهان علام: “كل هذه الاعتبارات وكل هذه المؤشرات تؤكد وتدعم أن العلاقات المصرية الهندية سوف تشهد تطورات إيجابية ملحوظة في الفترة المقبلة”.
وختمت السفيرة جيلان علام حديثها بالقول إن “وزير الخارجية الهندي حرص على زيارة حديقة الحرية بحي الزمالك بالقاهرة، حيث يوجد تمثال للمهاتما غاندي، تأكيدا لاحترام مصر للزعيم التاريخي للهند، وأرسى إكليلا من الزهور عليه”، معتبرة أن “هذه زيارة لها بعد رمزي يؤكد عمق وتاريخية العلاقات بين البلدين”.
وبحسب البيان الصادر، الثلاثاء، عن الجهاز المركزي للإحصاء في مصر، فإنَّ حجم التبادل التجاري ارتفع بين البلدين بنسبة 20.8 بالمئة خلال العشرة أشهر الأولى من 2022، مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2021.
ومن بين أهم السلع التي صدّرتها مصر إلى الهند خلال هذه الفترة كانت:
• الوقود والزيوت المعدنية ومنتجات تقطيرها بقيمة 878 مليون دولار
• منتجات كيميائية غير عضوية بقيمة 199.7 مليون دولار
• أسمدة بقيمة 185.7 مليون دولار
• ملح وكبريت وأحجار بقيمة 68.4 مليون دولار
• القطن بقيمة 61.9 مليون دولار
ووفقاً لوزير الصناعة والتجارة المصري، المهندس أحمد سمير، فإنّ قيمة الاستثمارات الهندية في مصر بلغت حوالي 3.2 مليار دولار في 52 مشروعاً في مجالات الكيماويات وأسود الكربون والتعبئة والتغليف والمنتجات الغذائية والسياحة.
وعلى صعيد توفير مصادر الطاقة البديلة ضمن استراتيجية مصر للمناخ، استفادت مصر من الخبرات الهندية في مجال الطاقة الشمسية، وهو ما اتضح بقوه في الشراكة المصرية الهندية في إنشاء مشروع مزرعة بنبان للطاقة الشمسية في أسوان لتكون أكبر تجمع لمحطات شمسية في العالم
التعاون العسكري بين مصر والهند
في سبتمبر من العام الجاري، أجرى وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ، زيارة إلى القاهرة لبحث تعزيز العلاقات العسكرية وتعميق التعاون في الصناعات الدفاعية بين البلدين. ووفق بيان للرئاسة المصرية الصادر في وقتها، فقد شهد اللقاء بحث سبل تعزيز التعاون العسكري والأمني بين القاهرة ونيودلهي، خاصة ما يتعلق بالتعاون في التصنيع المشترك ونقل وتوطين التكنولوجيا، بهدف استغلال الإمكانات والبنية التحتية المتاحة لدى البلدين، فضلًا عن التعاون في مجال التدريب والتأهيل والتدريبات المشتركة، وتبادل الخبرات والمعلومات.
ويعكس ذلك رغبة البلدين في التعامل في مجالات مكافحة الإرهاب بالدرجة الأكبر، وسبق أن استضافت مصر عام 2018، الاجتماع الثاني لمجموعة العمل المشتركة بين القاهرة ونيودلهي لمكافحة الإرهاب الدولي، ويحسب لهذا التوجه المصري نحو تعميق التعاون العسكري مع دول آسيوية، أن مصر لم يسبق أن اتبعت سياسة إيجابية نشطة ذات نطاق إقليمي وعالمي في آن واحد، مثلما تنخرط الآن في مختلف القضايا الدولية والإقليمية، حيث خرجت القاهرة بسياساتها الخارجية من حيز الدوائر التقليدية إلى دوائر جديدة كليًا، ولعل تطور العلاقات المصرية الهندية حاليًا مثالًا على نتائج تلك الانطلاقة غير التقليدية .
وقد شملت الشراكة العسكرية بين البلدين، إجراء مناورات تدريبية على مستوى رفيع وجاءت زيارة وزير الدفاع الهندي في سبتمبر الماضي لتعزيز الشراكة الدفاعية المتنامية بين البلدين، على مستوى التصنيع المشترك للأسلحة وخاصة الطائرات والذخائر المتنوعة، وتبادل الخبرات الأمنية والعسكرية وبحث توطين الصناعات الدفاعية بوجه عام، لا سيما وأن البلدين لديهما خبرات متعددة في هذا الصدد.
ختامًا، ما يمكن استنتاجه من التحركات المصرية على مستوى السياسة الخارجية، هو أن القاهرة تتجنب تحديد علاقاتها وشراكاتها وذلك على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وهو ما يعكس رشادة في اتخاذ القرار والنأي بالقاهرة عن التكتلات والتحزبات غير المجدية إلى آفاق أوسع، بهدف جعل مصر رقمًا في كافة المعادلات الإقليمية والدولية على أساس الوقوف على مسافة واحدة من الجميع، والتحرك وفقًا لمقتضيات المصلحة القومية والقانون الدولي.